ما الذي يدفعني للكتابة الآن رغم ما أشعر به من أرهاق نفسي وجسدي وعقلي !
هل هو هذا التخاذل المقيت عن الحكي والثرثرة مع الأخرين ،فقدان الرغبة في الحديث من كثرة ما أستخدمنا من كلمات لم تستطيع أن تعبر عنا بدقة ؟ أم هي الرغبة في الأحتفاظ بمتعة مختلفة يمارسها عدد قليل من الناس.
الحقيقة لا اعرف الجواب كعادتي ،فأنا دائمًا ما أطرح الأسئلة بعجز وعبثية ،وربما هذا فقط لكي أجد اليوم مدخﻻً للكتابة .
منذ أكثر من شهر وانا احاول جاهدة الكتابة عن مشاعري خلال تجربة مررت بها، تجربة تذكرني بعنوان رواية لعبده خال أسمها "الموت مر من هنا" ،ولكني بكل ما أوتيت من عجز لم أستطع تحديد مشاعري حتي الآن تجاه التجربة ككل ،لذلك فشلت في المحاولة .
كل هذه المقدمة أعلاه التي لم يكن مخطط لها أطلاقًا في حقيقة الأمر كانت فقط لأقول أن هناك شيئًا عالق في قلبي كالعادة ولا يمكنني قوله او كتابه ،لذلك ستكون هذه محاولة عبثية مهترئة لكتابة أفكار رمزية تحوم حوله ،ربما ستخفف هذه المحاولة من ضغطه علي القلب والخاطر .
يتترد في ذهني الآن بعض الأسئلة ..
ما الذي حدث لأحدهم حتي يكون وحيدًا في مثل هذا الوقت ؟ ما الذي تعنيه الوحدة لكلا منا علي وجه الدقة ؟ ما القصة التي حصرته الحياة بها ليأخذ فيها دور البطولة كفأر عالق في مصيدة لا يستطيع الأفلات منها ؟ ولماذا أشعر أنا بالحزن الآن لمعرفة أن هناك أشخاص في هذا العالم لم يحصلوا علي الحب الكافي حتي ولو بدو لنا سعداء.
احيانا أشعر بأن المواساة رغم أنها تعزز من الشعور بالألم والمصيبة إلا انها امر ضروري حتي لا نشعر بالوحشة ،من الضروري أن يجلس أحدهم بحانب الأخر ليضم يده ويقول له سينتهي كل شئ قريبًا وبعدها كل شئ سيكون علي مايرام ..
خلال الفتره الماضية كانت هناك أيام شعرت فيها بأنحناء روحي كجسد امرآة عجوز ،شعرت فيها بأنحناء روحي وأنا أمشي بأقدام مثقلة أنهاكًا وتعبًا ،أجرهما من السرير الي المطبخ لأتي بزجاجة ماء ،في الليل لا أنتظر نومي فأنا أعرفه رديء الجودة، في الصباح أدخل الي الحمام تبدو لي فكرة الاستلقاء في حوض الاستحمام وسماع الاغاني التي تعزز الشعور بالياس والكأبة فكرة جيدة وتناسب حالتي ،استلقي هكذا لا اعرف في اية وضع اكون ،أشعر ان هناك شئ يخترق جفني، مغمضة العين أتألم، مبصرة أيضاً أتألم لا يريحني الاستلقاء ولا يستقبلني الجلوس، ورغم هذا أتباين بينهما ،اجلس هكذا للتأمل في عتمة الحمام المغلق ، أتأمل الضوء الذي تشكل على الجدران علي هيئة خط رفيع دقيق ،أقول في نفسي هذا قلبي ، هذا المكان المظلم قلبي ، وهذا النور الخافت أعرفه بالضبط ماهو ،أعرف فيمن تجسد ،اعرف انه انت .
لم يعد لدي ذلك الصمود الأنيق في الأونة الأخيرة ،تغير الأمر كثيرًا ،بات كل ما يمر علي بكلمة عارضه وغير مقصودة يخدشني فورًا لتسقط دمعه دون وعي ،يضرب الوجع المتسلط بكل أشكاله مهارتي السابقة في التحمل ، يراودني احساس ضاغط بالضيق وكأن احد شرايني أنفجرت وبينما الدماء تسيل تتسرب الحياة معها ،وانا اقف هناك اشاهدها بكل عجز وبلادة، أشعر بقلبي كشيء ثقيل علي صدري لم اعد اقوي علي حمله ،فأتساءل ما الذي سيحدث حين تتراكم الآلام ولا تعود محتملة، ربما سأموت، أو ربما تفتك بعضها البعض واتخلص منهم جميعا ،اصمت هكذا ثانية لتاتي الفكرة المعتادة في رأسي ،ثم أردد بعدها الجملة المعتادة أيضًا: أود ان احمل مسدس واوجهه لرأسي تحديدا وأطلق رصاصة ثم أقف أضحك على سيلان الوجع مع الدماء فيخرج ببطئ ولزاجة ،لكنه الآن لا هوية له بدوني، ثم بعدها أعود لوعي فأدرك أن هذه الحياة اللعينة تؤلمنا بتفاهتتها وجديتها في نفس الوقت ،فقد ضحت بالفانتازيا عند أول نوبة غضب ،فأذكر نفسي وأقول ان الميزة الوحيدة للآم احيانًا أنه يجعلك تكبر بطريقة لم تمر يومًا بمخيلتك.
ذات يوم سألتني صديقتي لماذا تاتي التغيرات الجذرية في حياتنا او شخصيتنا دائمًا بعد التجارب القاسية ؟هل تغيرت الحقائق ام انها كانت أوهام ؟ صمت ثوان ثم قلت لها أعتقد ان الحقاق لا تتغير انها تظل ثابته ،ولكن بعد التجارب القاسية تصبح الحقائق أكثر وضوحًا وتظهر عدة جوانب اخري للحقيقة الواحده ،مزيد من الجوانب التي كانت تخفي علينا تظهر جلية لنا ،تزول تلك الأوهام التي صنعناها ربما بانفسنا لتغلفها ،لتبقي الحقائق فقط ماثلة امامنا.
كنت أريد ان اتخذ دور المتفرج في الحياة ، ولكنها لاتزال تقحمني في مواقفها المتصارعه .