منذ سنوات أدركت أنه يجب ألا أنتظر من الحياة مستقبل مشرق، أدركت أنه بأنتظاري عواقب وخيمة متلاحقة، بساط لا نهائي من "العواقب الوخيمة".
فحالتي الأن تشبه حالات كثيرة من عدم الأستقرار والتشتت وضياع المعني في الحياة، أترى هذا بسبب نظام نومي الغبي، أم أنه بسبب هذا الشعور بالأختناق، هناك أمور تحدث ولكن يصعب عليّ الحديث عنها هنا، يمكنني أن أصف هذه الحالة بأختصار أنها حالة وجودية سماها احد العابرين بحياتي يومًا "بلوك"، ربما تأتي هذه الحالة في اللحظات الأكثر روتينية في حياتي، والتي تتكرر كل عام بطريقة مملة، الأشياء ذاتها تكرر نفسها كل يوم بطريقة دراماتيكية تدعو للتقيوء، لا شيء جديد، فقط الأيام تمضي لتتراكم خلفي السنوات، وكل ما أفعله انا أنني أنجو بطريقة ما، أخفض رأسي في مواجهة كل شيء وأنتظر مرور سرب طويل من الخيبات لتمضي مع السنوات.
لكن لحظة .. أنا أحاول تجاهل حقيقة أن أغسطس قد حل، وأن عامًا أخر قد مر دون تغير ..
أعتقد انه هناك مرحلة عمرية معينة ستأتيك، تنظر فيها كثيرًا إلي الوراء وتتسائل إلى أين أمضي؟!
ولكن في هذه المرحلة سيكون السؤال حادًا وعميقًا ،لن تستطيع أن تتجاوزه بالكتابه عنه، ولا بمحاولاتك التافهه للعيش علي سطح الأشياء، ولن تجد جوابًا مرضيًا، ولن يختفي خلف ضجيج الحياة كما تفعل بقية الأسئلة.
لذلك أنا الآن أحاول أن أحلل موضوع هذه الأزمة الوجودية ..
في مقتبل الثلاثين لا ينتهي الفرح ولا تجف منابع الدهشة داخلك من الحياة، لكن شعور الفرح والدهشة تدفعهما فكرة الخوف وليس الشغف، تدفعهما فكرة الفقد والتشبث، فتصبح بذلك فكرة اختلاق الفرح ترفًا من ترف سنواتك في العشرينات، حين كان هناك متسع للضجر من التواصل والناس والحب والدهشات.
في مقتبل الثلاثين تسيطر عليك فكرة الهرب من العزلة وليس الهرب إليها، فيصير هذا الفرح مرتبطًا بفكرة الخوف من الفقد، فقد شخص، مكان، حاله أو شعور داخلك، كأنه وضع أقرب مايكون للصفقة، مساومة وسباق مع الفجائع المتظراك في القائمة، أفرح قبل أن أفقد، أفرح لأن الأشياء ليست لي وليس بوسعي امتلاكها فأهلل فرحًا لعبورها السريع بي ..
في مقتبل الثلاثين يظل في القلب متسع للحب، لرعشة الشوق ودفئه، لكنه حب بلا يقين، حبًا ساخرًا من فكرة الوعود اللحظية، قَلِقاً من فكرة الأبدية، حبًا بعين أطالت النظر للخراب الهائل الذي خلفه التطاول في الأحلام، حبًا بقلب اختبر نفسه بأن يصير شظية ونهض من رماده متعثراً، حبًا بيد مرتعشة جربت مرارًا السقوط في الفراغ والخيبات ففقدت يقينها بالتمسك بالأشياء.
في مقتبل الثلاثين نعم يكون هناك متسع للأيام الجميلة المبهجة، تلك التي تمر فيها عقارب الوقت ونحن في غفله دون أن نشعر بسميتها، وتمضي ثوانيه وكأنها تربت على قلوبنا، لكن الشعور بالوقت ليس كما شعورك الأول به، الوقت عندها يتضاءل لكثرة ما تفرق وتاه في محاولات فاشلة للسعادة، تستمر الساعات في التقلص كلما زاد تراكمها الذي تركناه في الخلف، تراكم كل يوم يدفعنا إلى الأمام .. إلى الهاوية.
أخيراً .. لقد فكرت بكل الأسباب المحتملة التي من شأنها أن تشعرني بهذا القلق الوجودي الذي يأتي بحلول ذكري يوم ميلادي، ولم أجد سببًا منطقيًا واحدًا يرضيني رضا كامل، فكل ما ذكرته في الأعلي اساسه أفكار أعتدت عليها، هذا شيئًا معتادًا بالنسبة لي، فلماذا إذن هذه الحالة الغريبة! ولكن بطبيعة الحال عقلي الغريب دائمًا عامر بالأسباب اللامنطقية، او ربما أنا شخص لديه ميل طبيعي للكآبة، شخص تلمع عيونه دائمًا بشكل حزين أو شيئا من هذا القبيل .
ولكني حزينه الأن من اجل الأشياء، الأشخاص، المشاعر والأماكن التي سأخسرها في السنوات القادمة، حزينه لأن الشعور بالخسارة لن يكون له وقع الخسارة الأولي والثانية، لن يكون له تأثير شعوري قوي لانه جاء بعد سلسلة كبيرة من الخسارات، اعتيادك علي الخسارة، الاعتياد الذي يعني مرورك علي الشيء مرات لا تحصى و مروره عليك ألف مرة ومرة ، حتي يأخذ منك كل دهشة وترقب، إلى أن تفقد ملكة الانتباه إليه وإدراك تفاصيله، السيء منها والجميل.
ولكني حزينه الأن من اجل الأشياء، الأشخاص، المشاعر والأماكن التي سأخسرها في السنوات القادمة، حزينه لأن الشعور بالخسارة لن يكون له وقع الخسارة الأولي والثانية، لن يكون له تأثير شعوري قوي لانه جاء بعد سلسلة كبيرة من الخسارات، اعتيادك علي الخسارة، الاعتياد الذي يعني مرورك علي الشيء مرات لا تحصى و مروره عليك ألف مرة ومرة ، حتي يأخذ منك كل دهشة وترقب، إلى أن تفقد ملكة الانتباه إليه وإدراك تفاصيله، السيء منها والجميل.
حزينه ﻻني سأترك كل الأشياء -مهما كانت ثمينة- تذهب دون أن أقدم على أي مقاومة للتمسك بها، لقد تمسكت بالكثير والكثير من الأشياء والأشخاص في السابق حتى جرحت أطرافي عندما غادروني، أو حتى عندما تخليت عنهم شيئًا فشيئًا، لم يبقى أي شيء لأني تمسكت به، بل ذهبت الأشياء لانها كانت تريد ذلك بكل بساطة .
ولكننا كلما كبرنا وازددنا وعيًا وننضجًا، كلما أصبحنا أكثر تقنينًا في كل شيء، فالنضج يمنحنا فرصة أن نتوقف عن الإفراط في ردات الفعل، وحتى في العواطف والشعور.
ولكننا كلما كبرنا وازددنا وعيًا وننضجًا، كلما أصبحنا أكثر تقنينًا في كل شيء، فالنضج يمنحنا فرصة أن نتوقف عن الإفراط في ردات الفعل، وحتى في العواطف والشعور.