في لحظة ضيق وحزن ليست غريبة علي، وكوسيلة مستهلكه لتحسين الوضع والمشاعر التي أشعر بها، حاولت أشغال عقلي بفكرة ما، فوجدت نفسي أتذكر جملة غريبة من فيلم شاهدته قبل عدة أشهر تقول فيما معناه: "نيويورك... مدينة مليئة بالضجيج ،ليس ضجيج زحام شوارعها فقط ولكنه ضجيج الأنا وكأن كل الناس تصرخ بأناتها"
ثم وجدت نفسي أتسأل: كيف تجد ذاتك وسط ضجيج الأنا؟ كيف يمكنك أن تتصورها أو تصيغها في عدة أشياء أو تصرفات تمثلك؟ كيف يمكنك أن تفرض وجدها وهي تثبت وجودك من خلالها؟ وكيف تحافظ علي هذا؟ كيف تتأكد أنها الآن وفي هذه اللحظة حقيقة صادقة وليست صورة لأشخاص وقعت في فخ أناهم ؟ ليست نيويورك وحدها التي تضج بصراخ الأنا، جميعنا كذلك ،أنت لست معفي من صراع الأنا داخلك لتظهر بشكل مثالي في لحظات، أو بحقيقتك المجردة في لحظات اخري، ربما هذا شكل من أشكال التمرد لإثبات وجودنا علي قيد الحياة اصلا، فالإنسان يخوض في الحياة معركة مصيرية كبرى عنوانها (أنا)، ربما الحياة بكل صورها هي ضجيج من الأنات، أنات تقاوم وتصرخ لتثبت وجودها، ولكن السؤال الوجودي الذي يفرض نفسه الآن: لماذا في كثير من الأحيان يضيع وجودك بكل ما تحمله من أفكار معقدة، وصراعات داخلية، وهدوء خارجي، يضيع مع انبهارك في صراخ أنات الآخرين؟يسرق منك دون قصد، كيف تكون أنت في كل الأوقات، دون مبالغة في أظهار وجودك، أو اجحاف في حقك، كيف تقاوم لتظل في الوسط .
أعتقد هذه معركتنا جميعًا ضد الإستلاب، إستلاب ليس لشئ من ممتلكاتك ولكن إستلاب لشخصك ولجوهرك، هذه معركة يخوضها الإنسان ضد العالم كله بدئًا من سلطة العائلة ووصولًا إلى لسلطة المجتمع والدولة، وتحديدًا هي معركة ضد أنات الأخرين التي تصرخ من حوله لتثبت وجودها هي الأخري، فمثلًا الكون والطبيعة أشياء يمكن للإنسان أن يقترب منها ويلمسها، أو حتي يجد نفسه يتوحد معها في بعض اللحظات، لكن الذي يصعب عليه التوحد معه، هو جنسه البشري، والغريب هنا أنني غالبًا ما أكتشف ذاتي من خلال الغير، أكتشف مشاعر في داخلي وجوانب مختلفة من شخصيتي عبر كل الأشخاص من حولي، وأيضًا أهم سبب ليفقد الإنسان ذاته وتضيع أناه يحضر عبر هذا الغير، وهنا تأتي المفارقة القاتله، كيف أعيش معركة لإثبات ذاتي، وإكتشاف من أنا، وما هو مكاني في العالم، ومالذي يريده مني وما الذي يرفضه، وما الذي أريده أنا بالتحديد ،وكيف أري العالم من حولي والطبيعة،والمجتمع، والإنسان ... الخ، وفي نفس الوقت يمكن لكل خطوة واكتشاف أن يقودني إلى منعطف وكل منعطف يمكنه أن يكون طريق للإستحواذ علي وجودي!
كافكا كان يتسائل: "كيف أصبحت الشخص الذي أنا هو؟ هل أنا نفسي فعلًا، أم صنع مني الآخرون بالأحرى الشخص الذي أنا هو؟" أعتقد جواب هذا السؤال سيكون ولادة جديدة لأي شخص.
أعلم أنني أصغر بكثير من كل هذه الهذيان العقلي الذي ذكرته في الاعلي، وليس لدي القدرة ولو بقدر قليل علي تفسير تقلبات النفس البشرية وتحليل نزاع الإنسان مع نفسه ومع الأخر والغوص في هذه الصراعات الإنسانية ،وأقل شأن من أن أجد إجابات لمثل هذا النوع من التساؤلات ، ولكن هناك دائماً تساؤلات ليس لها اجوبة شافية، وفي الحقيقة هذا الأمر يجعلني أشعر أحيانًا اننا مجرد كائنات مبرمجة ليس لها عقل أو أدراك أو قدرة علي التحليل والاستنتاج، والمجنون بيننا هو الشخص الوحيد الذي كسر هذه القاعدة ووجد إجابات ترضيه .
هذا النوع من المواضيع التي قد يراها البعض لا تشكل فارقا حقيقيا في حياة أي منا، أري أنها من أهم الموضوعات التي لا تحظي بالخوض فيها لكثرة الأغلفة الضبابية التي تحوم حولها، وكل محاولة للكشف عن مكمنها هي محاولة مثيرة ومرهقة ذهنياً، ولذلك أكتب عن هذه الأشياء التي لا أكاد أستطيع حتي وصفها بصيغة جيدة، ولكني أكتب عن الأفكار التي تقطع طريقي وتعثر بي، أكتب دون نية في قول شئ بعينه، فهذه الكلمات هي خطوات لأصابعي في منطقة شديدة الظلمة في عقلي، لا ضوء فيها غير ما ينكشف مع الكلمات عبر كل خطوة. ربما تكون هذا محاولات لعدم مصادرة وجودنا وأرادتنا الحره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق