الجمعة، 6 يناير 2017

عقل لا يهدأ

هذا الشئ الذي يركض ملايين الأميال في كل أتجاه من رأسي ولا يخرج يغضبني ،يغضبني أستمتاعه بالركض هكذا في كل الأتجاهات متجاهلاً كل هذا الألم الذي يسببه لي ،يغضبني أفلاته من بين يداي في كل مره حاولت الإمساك به .
‏كم تبدو المسافة هائلة وضخمة بين مايشعر به الإنسان وبين مايستطيع شرحه للآخرين ،كنت أحاول أن أشرح لشخص قريب مني أن هناك شيئاً ما لا يكف عن التقافز هنا وهناك في كل خلية من رأسي، شيئاً يجعلني أشعر بالدخان يتصاعد منها وكأنها فواهة بركان شارفت علي الأنفجار ، أشعر أن هناك أنفجار مروع سيقع .. وبالتأكيد هذا سيحدث في يوماً ما ، ربما اليوم ،ربما غداً ،ربما العام القادم ، ربما في هذه اللحظة ، لا أعرف ، ولكن ما أعرفه جيداً أن بعدها ستتوقف معرفتي للأبد ، سيرتاح هذا العقل البائس من كثرة الأفكار التي أستهلكته .

الكثير من الألم النفسي مصدره العقل ، هذا الذي يعمل بشكل مفرط طوال الوقت ، يأخذ أتفه الأمور بجدية مبالغ فيها ،يسمح لكل تركيزه أن ينصب علي تفاصيل صغيرة ويضعها تحت المجهر ويضخم من شأنها ويحللها ويبحث في خباياها ويبالغ من سوءها أكثر من الازم ، ثم ماذا ؟ ثم يتحول المشهد إلي دراما سوداء للغاية ،يتحول العالم في عينيك إلى كومة كبيرة من الأخطاء ،وسط كل هذا الضجيج لا تستطيع عينيك أن تلمح شيئاً ولو صغير يحضك علي الأبتهاج أو التفاؤل .
عندما يريد عقلك أقناعك بشيئاً ما أو فكرة معينة ضد مشاعرك ،حين يدور هذا الجدل بين العقل والقلب ،هذا الجدل الممقوت المتعارض مع يقين قلوبنا المتوافق مع معطيات عقولنا.
وهكذا ،يستمر هذا الألم ليأخذ مساحة أكبر من روحك .
أتسأل دائماً ،لماذا ؟ أنا مجرد فتاة عادية ، في بلد متخلف ، علي كوكب متهالك أنسانياً ، في كون زائل ، فتاة بلا أدني نفوذ أو سلطة او حتي مكانة أجتماعية مميزة ،فتاة عاشت وتربت داخل سياق أجتماعي بليد ومضطرب وهمجي . أتسأل لما كل هذا الألم المتراكم داخل نفسي ؟!
كيف للنفس البشرية أن تتحمل كل هذا الصراع ؟
كيف تتلبسني هذه الأفكار ؟
وكيف أتخلص من رواسبها داخل عقلي ؟
كيف يمكنني أن أتصالح مع أفكاري تلك التي أدرك فداحتها وحتمية ما ستأتيه بدمار شامل علي عقلي ؟ دمار سيصل بي الي الجنون.
"الجنون" المجد لهذه التهمة العظيمة ،كل الذين أتهموا بالجنون غيرو مجري العالم ،ماذا قدم الأشخاص العقلاء للعالم سوي أنهم كانوا أداة للحفاظ علي الجنس البشري لفترة أطول .

ولكني لم أختار هذا ، لم أختار أن أكون علي هذا القدر من الخراب ، جميعنا لم نختار ،كل جيلي لم يختار ، ولدنا كبارًا، حملنا من إضطراب النفس أكثر مما يحمل من هم في أعمارنا ، ولكن ما عسانا أن نقول .. لا بأس ، ستتحسن الأمور .
حسناً . عودة إلي الإضطراب العقلي الذي أشعر به ..
قد يكون من الصحة الأعتراف الأن أني أعاني من الأفراط في التفكير ،أفراط يصل الي حد التطرف ،وهذا بمثابة أنتحار أجتماعي يجعلني دون شك أكف عن الأستمتاع بالحياة، كنت في الماضي اعتدت مواساة نفسي بالقول بأن عقلي مصاب بفرط حركي كمحاولة مني لأثبات وجودي علي قيد الحياة ، علي طريقة ديكارت "أنا أفكر، إذاً أنا موجود" ،ولكني أدركت مؤخراً أن هذا مرض ، مرض هادم لملذات الحياة ، كما أدرك أيضاً أن هذا ينقل صورة أخري لقلب محموم ،ولكني أجد صعوبة في شرح هذا وتفسيره ،فالكثير مما ندركه غير قابل للتعبير عنه ، بل ويستحيل الحديث به.

دائماً ما كانت تراودني فكرة الذهاب الي طبيب نفسي ، ولكني كنت علي قناعة بأن الطب النفسي رغم أنها مهنة صعبة للغاية ولكن لا فائدة منها علي الأطلاق ، فالكثير من الناس يخرجون من عيادات الطب النفسي إما للإنتحار أو للهرب والعزلة .
لذلك في الوقت الراهن لا أملك سوي بعض الحيل  للتغلب علي هذا ، جربت ذلك في أيام سابقة ويبدو لي أن هذه الطريقة تجدي نفعاً ولو قليلاً ، ربما هكذا أجد حلاً ولو مؤقتاً لكل هذه الضوضاء العاصفة بهذا العقل ،ربما مع الوقت يتعلم عقلي التجاهل أو يحاول مجارة الأمور ، في كل مرة سأشعر فيها بالفراغ يتمدد داخل روحي ،أو هذا الشئ يقفز هنا وهناك داخل أزقة رأسي ، سوف أذهب سريعاً وأفتش داخل كل كتاب عن غضب أو شغف يختبئ في جوف شخصية روائية ، أفتش داخل كل مقطوعة موسيقية عن أحساس قابل للأستعارة ، عن ألم نابع من وتر ما .
 ربما أشفي وربما لا ، لا يهم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق