الخميس، 7 ديسمبر 2017

لا شيء علي الاطلاق ..

من أين يأتي الحزن الذي لا مصدر واضح له ولا أسم؟ كيف يبدء؟ كيف يظهر علينا؟ هل أنا لدي فجوة في روحي يأتي منها؟ كيف يهدم المدن الجميلة التي كانت يوماً ما داخلنا و يجعلها رُكـام ، تلك المدن المليئة بالأضواء والموسيقي والشغف للمعرفة وإكتشاف الكون ، لا يوجد للحزن موسيقى لائقة و لا مزاج محدد حتى نتهيأ له قبل أن يدخل علينا بثوبه الرمادي ،فهو يأتي بغّته مثله مثل الموت والحب .

في الخريف والشتاء تطول ساعات الليل وعليه أيضا يطيل الأرق ساعات زيارته لي ، والأسوأ منه ذلك النوم المتقطع الذي يوقظني منه حلم ما أو حركة القط بجانب السرير بعد كل ساعة أو ساعتين. في الظلام أحدق وأفكر ربما كان وجودي ليس هو الا فكرة في رأس أحدهم وستنتهي حالما يهز عابر سبيل كتف صاحبها بمحض الصدفه ، كأن وجودي هو إحتمال معلق علي حافة الخيال !! أفكر ربما أن أحلامي التي أراها وتوقظني مطمئنة أو فزعة ربما حتى هي كانت تخص شخصٍ آخر في مكانٍ وزمان آخر ، عجيب هذا العقل الذي يعطي ما يشاء من تصورات لا يمكن السيطرة عليه !
 أفكر هل تعبرنا الأيام لتنتهي منا ام أننا نعبرها لنكتشفها ، كيف تنقص منا لتكتمل،  ورغم هذا لا تبدو كاملة ابداً في أعيننا، هذه الأيام السريعة البطيئة التي تنقضي بشكل أطول من اللازم وأقل من المطلوب ، تنقضي تاركه آثارها علينا كندبات لا يمكن ان تختفي ابداً ، بل أن هذه الندبات تظل تتراكم وتتراكم  بداخلك مثل التصدعات التي تتسع في المباني وتهدمها، تفعل هذه التراكمات مثلها في قلبك تماماً ، أشعر إني كمن فاته أخر قطار للآلحاق بأحلامه، عاجزه حتي عن معرفة ما الذي يتوجب علي فعله ،إنه ذلك العجز حين لا تستطيع حتى أن تصف حياتك بالخراب، عندما لا يكون هناك أصلاً ما تم بناؤه فهكذا لا يمكن أن يحدث تدميره.
أفتح مفكرة هاتفي  لأكتب شيئاً
 "ماذا فعلت اليوم؟"
لا شيء علي الاطلاق .. 
أعلق بهذه الجملة في نصف سطر وأغلق الهاتف ليعبر اليوم وينتهي.
كل شيء يحدث هنا هو نسخة مشوهة وتافهة من الأشياء الطبيعية الممتعة ، بيئتنا تسمم كل شيء تقريباً ،أحيانا انظر من حولي وأري الجميع قد فقدوا عقولهم ، أري هذا الجنون الناتج عن الفرق بين ما أعتدنا كونه حقيقة لا يشوبها شائبه ، وكنا قد أمنا به دوماً ،وبين ما رأينها وتعلمناه بالتجربة القاسية تلو الأخرى ،أري كيف أننا الآن نجد أنفسنا وسط حطام من الفوضى والضياع ،  حتي أنه بات من المستحيل إستشراف المستقبل الذي أصبح أكثر غموضاً وتشابكاً ، فأدرك وقتها أن التجارب القاسية اليوم باتت جماعية أكثر منها ذاتية .
ويمكننا ببساطة أدارك هذه الحقيقة من خلال هذا العالم الإفتراضي الذي منحنا كامل الحرية لإظهار ما بداخلنا من جمال ، ومن بشاعة ، فبفضل وجودنا فيه الذي يشبه الذهاب إلى تجربة أداء فيلم تاريخي عظيم ،يظهر الجميع فيها أقصي ما عندهم حتي يتم قبولهم ، ولا أعني التمثيل في تشبيهي هذا ،أنا فقط أردت إيضاح هذا الكم الهائل من التفاني في أداء شخصياتنا .. فأنا لا أعرف قطعاً هل نحن نُظهر المعادن الحقيقية لشخصياتنا بمعرفتنا المختارة أم اننا ندعي؟
 لقد شاهدت الكثير من حولي يكتب عن أحزانه وخسائره ، وشاهدت الكثير من الردود المُطمئنة والمواسية ،وشاهدت أكثر من الردود الساخرة والمتأففة .. ماضر هؤلاء؟ ماهي مشكلتهم بالضبط مع من يعبر عن حزنه او مأساته! حتي لو كُنت غاضبة ناقمة كل الوقت فأنا لدي أسبابي بالتأكيد التي في مجملها لا تهدد راحة أو طمأنينة أو سعادة وتفاؤل أحد.
 هل يجب أن ندعي الثبات والقوة الزائفة ونصطنع السعادة والتفاؤل ونظهر بأبهى حلّة ونتبني النظرة الإيجابية الباردة التي تغتال صدق مشاعر الإنسان ! هل يجب أن يقتصر وجودنا في هذا العالم الإفتراضي على إظهار جانب واحد مثالي فقط! الم تعطيك مثل هذه الأمور انطباعاً زائف عن الإنسان!

أعرف جيداً أنه من طبيعة بعض البشر إنهم  لا يمتلكون السعة في الإنصات، خصوصاً لو كنت تتحدث لهم عن أوقات حزنك التي لا نهاية لها ،ستجدهم لا يلقون لحكايتك أذناً ، أو سيقومون بتسخيف همومك وتأطيرها بلا مبالاة ، أو ربما ستجدهم يستعرضون أمامك قواتهم وصلابتهم في مواجهة حياتهم المليئة بالأحداث والانجازات، لا يتمتعون بالإرتياح لرغبتك الصادقة بالحديث بلا نية لقلبك بأي مواساة أو كلمة ضماد،  لم يتفهموا أن كل ما توده هو إلقاء مشاعرك من جرف روحك.
ولكني أعتقد أن هذا التراكم الهائل والمخيف للحزن داخل قلوبنا جعل من العزلة ملجأ أول وأساسي داخل الأشخاص، كلاً منا يحمل جحيمه الخاص بداخله ويهيم فيه ،يحاول البعض وأنا منهم طبعاً فهمه، أو الوعي له، ولكن المرهق في هذا أنه ليس هناك معلم يشرحه سوى اجتهادات نفوس أصحابه والتي ستقضي علي هذه النفوس بدورها .
لهذا ربما كانت الكتابة والجنون أيضاً في هذا العالم أراحوا الكثير منا ، فهذه هي الحرية الجديدة المتاحة التي اختبرناها جميعاً ،ولكن ما يزعجني حقاً أن هذا العالم لا يحترم أحزاننا الصغيرة ، تلك الأحزان الصغيرة التي توجع لكن لا يمكنك الحديث عنها.. تماما مثل حزن كومبارس دعى أصدقائه لمشاهدة العرض ، تأخروا قليلاً في الحضور ، فانتهى دوره فيه.
يزعجني أنه لا أحد يقف للحظة حتى يفكر بهذه الأمور كأحد أكثر أشكال المواساة إنسانية ورحمة .
بالنهاية لن تترك الأشياء واجباتها الكونية من أجلنا ، لذلك ربما علينا نحن أصحاب الحظ العاثر ، الحزاني المكتئبين ،ربما يجب علينا أن ننشئ حزباً ما، أو نذهب لكوكب آخر أو حتى نختار جزيرة معزولة نُسميها جزيرة الخاسرين ، ثم ننقرض فيها بصمت وسلام .

‏‏






























الاثنين، 9 أكتوبر 2017

ضجيج الأنا



في لحظة ضيق وحزن ليست غريبة علي، وكوسيلة مستهلكه لتحسين الوضع والمشاعر التي أشعر بها، حاولت أشغال عقلي بفكرة ما، فوجدت نفسي أتذكر جملة غريبة من فيلم شاهدته قبل عدة أشهر تقول فيما معناه: "نيويورك... مدينة مليئة بالضجيج ،ليس ضجيج زحام شوارعها فقط ولكنه ضجيج الأنا وكأن كل الناس تصرخ بأناتها" 
ثم وجدت نفسي أتسأل: كيف تجد ذاتك وسط ضجيج الأنا؟ كيف يمكنك أن تتصورها أو تصيغها في عدة أشياء أو تصرفات تمثلك؟ كيف يمكنك أن تفرض وجدها وهي تثبت وجودك من خلالها؟ وكيف تحافظ علي هذا؟ كيف تتأكد أنها الآن وفي هذه اللحظة حقيقة صادقة وليست صورة لأشخاص وقعت في فخ أناهم ؟
‏ليست نيويورك وحدها التي تضج بصراخ الأنا، جميعنا كذلك ،أنت لست معفي من صراع الأنا داخلك لتظهر بشكل مثالي في لحظات، أو بحقيقتك المجردة في لحظات اخري، ربما هذا شكل من أشكال التمرد لإثبات وجودنا علي قيد الحياة اصلا، فالإنسان يخوض في الحياة معركة مصيرية كبرى عنوانها (أنا)، ربما الحياة بكل صورها هي ضجيج من الأنات، أنات تقاوم وتصرخ لتثبت وجودها، ولكن السؤال الوجودي الذي يفرض نفسه الآن: لماذا في كثير من الأحيان يضيع وجودك بكل ما تحمله من أفكار معقدة، وصراعات داخلية،  وهدوء خارجي، يضيع مع انبهارك في صراخ أنات الآخرين؟يسرق منك دون قصد، كيف تكون أنت في كل الأوقات، دون مبالغة في أظهار وجودك، أو اجحاف في حقك، كيف تقاوم لتظل في الوسط .

أعتقد هذه معركتنا جميعًا ضد الإستلاب، إستلاب ليس لشئ من ممتلكاتك ولكن إستلاب لشخصك ولجوهرك، هذه معركة يخوضها الإنسان ضد العالم كله بدئًا من سلطة العائلة ووصولًا إلى لسلطة المجتمع والدولة، وتحديدًا هي معركة ضد أنات الأخرين التي تصرخ من حوله لتثبت وجودها هي الأخري، فمثلًا الكون والطبيعة أشياء يمكن للإنسان أن يقترب منها ويلمسها، أو حتي يجد نفسه يتوحد معها في بعض اللحظات، لكن الذي يصعب عليه التوحد معه، هو جنسه البشري‏، والغريب هنا أنني غالبًا ما أكتشف ذاتي من خلال الغير، أكتشف مشاعر في داخلي وجوانب مختلفة من شخصيتي عبر كل الأشخاص من حولي، وأيضًا أهم سبب ليفقد الإنسان ذاته وتضيع أناه يحضر عبر هذا الغير، وهنا تأتي المفارقة القاتله، كيف أعيش معركة لإثبات ذاتي، وإكتشاف من أنا، وما هو مكاني في العالم، ومالذي يريده مني وما الذي يرفضه، وما الذي أريده أنا بالتحديد ،وكيف أري العالم من حولي والطبيعة،والمجتمع، والإنسان ... الخ، وفي نفس الوقت يمكن لكل خطوة واكتشاف أن يقودني إلى منعطف وكل منعطف يمكنه أن يكون طريق للإستحواذ علي وجودي!
‏كافكا كان يتسائل: "كيف أصبحت الشخص الذي أنا هو؟ هل أنا نفسي فعلًا، أم صنع مني الآخرون بالأحرى الشخص الذي أنا هو؟" أعتقد جواب هذا السؤال سيكون ولادة جديدة لأي شخص.
‏أعلم أنني أصغر بكثير من كل هذه الهذيان العقلي الذي ذكرته في الاعلي، وليس لدي القدرة ولو بقدر قليل علي تفسير تقلبات النفس البشرية وتحليل نزاع الإنسان مع نفسه ومع الأخر والغوص في هذه الصراعات الإنسانية ،وأقل شأن من أن أجد إجابات لمثل هذا النوع من التساؤلات ، ولكن هناك دائماً تساؤلات ليس لها اجوبة شافية، وفي الحقيقة هذا الأمر يجعلني أشعر أحيانًا اننا مجرد كائنات مبرمجة ليس لها عقل أو أدراك أو قدرة علي التحليل والاستنتاج، والمجنون بيننا هو الشخص الوحيد الذي كسر هذه القاعدة ووجد إجابات ترضيه .
هذا النوع من المواضيع التي قد يراها البعض لا تشكل فارقا حقيقيا في حياة أي منا، أري أنها من أهم الموضوعات التي لا تحظي بالخوض فيها لكثرة الأغلفة الضبابية التي تحوم حولها، وكل محاولة للكشف عن مكمنها هي محاولة مثيرة ومرهقة ذهنياً، ولذلك أكتب عن هذه الأشياء التي لا أكاد أستطيع حتي وصفها بصيغة جيدة، ولكني أكتب عن الأفكار التي تقطع طريقي وتعثر بي، أكتب دون نية في قول شئ بعينه، فهذه الكلمات هي خطوات لأصابعي في منطقة شديدة الظلمة في عقلي، لا ضوء فيها غير ما ينكشف مع الكلمات عبر كل خطوة. ربما تكون هذا محاولات لعدم مصادرة وجودنا وأرادتنا الحره .

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

السنوات المتراكمة



 منذ سنوات أدركت أنه يجب ألا أنتظر من الحياة مستقبل مشرق، أدركت أنه بأنتظاري عواقب وخيمة متلاحقة، بساط لا نهائي من "العواقب الوخيمة".


ولكني اﻷن في تساؤل عديم الجدوى حول حالتي هذه،
فحالتي الأن تشبه حالات كثيرة من عدم الأستقرار والتشتت وضياع المعني في الحياة، أترى هذا بسبب نظام نومي الغبي، أم أنه بسبب هذا الشعور بالأختناق، هناك أمور تحدث ولكن يصعب عليّ الحديث عنها هنا، يمكنني أن أصف هذه الحالة بأختصار أنها حالة وجودية سماها احد العابرين بحياتي يومًا  "بلوك"، ربما تأتي هذه الحالة في اللحظات الأكثر روتينية في حياتي، والتي تتكرر كل عام بطريقة مملة، الأشياء ذاتها تكرر نفسها كل يوم بطريقة دراماتيكية تدعو للتقيوء، لا شيء جديد، فقط الأيام تمضي لتتراكم خلفي السنوات، وكل ما أفعله انا أنني أنجو بطريقة ما، أخفض رأسي في مواجهة كل شيء وأنتظر مرور سرب طويل من الخيبات لتمضي مع السنوات.
لكن لحظة .. أنا أحاول تجاهل حقيقة أن أغسطس قد حل، وأن عامًا أخر قد مر دون تغير ..
أعتقد انه هناك مرحلة عمرية معينة ستأتيك، تنظر فيها كثيرًا إلي الوراء وتتسائل إلى أين أمضي؟!
‏ولكن في هذه المرحلة سيكون السؤال حادًا وعميقًا ،لن تستطيع أن تتجاوزه بالكتابه عنه، ولا بمحاولاتك التافهه للعيش علي سطح الأشياء، ولن تجد جوابًا مرضيًا، ولن يختفي خلف ضجيج الحياة كما تفعل بقية الأسئلة.
لذلك أنا الآن أحاول أن أحلل موضوع هذه الأزمة الوجودية ..

في مقتبل الثلاثين لا ينتهي الفرح ولا تجف منابع الدهشة داخلك من الحياة، لكن شعور الفرح والدهشة تدفعهما فكرة الخوف وليس الشغف، تدفعهما فكرة الفقد والتشبث، فتصبح بذلك فكرة اختلاق الفرح ترفًا من ترف سنواتك في العشرينات، حين كان هناك متسع للضجر من التواصل والناس والحب والدهشات.
 في مقتبل الثلاثين تسيطر عليك فكرة الهرب من العزلة وليس الهرب إليها، فيصير هذا الفرح مرتبطًا بفكرة الخوف من الفقد، فقد شخص، مكان، حاله أو شعور داخلك، كأنه وضع أقرب مايكون للصفقة، مساومة وسباق مع الفجائع المتظراك في القائمة، أفرح قبل أن أفقد، أفرح لأن الأشياء ليست لي وليس بوسعي امتلاكها فأهلل فرحًا لعبورها السريع بي ..


في مقتبل الثلاثين يظل في القلب متسع للحب، لرعشة الشوق ودفئه، لكنه حب بلا يقين، حبًا ساخرًا من فكرة الوعود اللحظية، قَلِقاً من فكرة الأبدية، حبًا بعين أطالت النظر للخراب الهائل الذي خلفه التطاول في الأحلام، حبًا بقلب اختبر نفسه بأن يصير شظية ونهض من رماده متعثراً، حبًا بيد مرتعشة جربت مرارًا السقوط في الفراغ والخيبات ففقدت يقينها بالتمسك بالأشياء.

في مقتبل الثلاثين نعم يكون هناك متسع للأيام الجميلة المبهجة، تلك التي تمر فيها عقارب الوقت ونحن في غفله دون أن نشعر بسميتها، وتمضي ثوانيه وكأنها تربت على قلوبنا، لكن الشعور بالوقت ليس كما شعورك الأول به، الوقت عندها يتضاءل لكثرة ما تفرق وتاه في محاولات فاشلة للسعادة، تستمر الساعات في التقلص كلما زاد تراكمها الذي تركناه في الخلف، تراكم كل يوم يدفعنا إلى الأمام .. إلى الهاوية.

أخيراً .. لقد فكرت بكل الأسباب المحتملة التي من شأنها أن تشعرني بهذا القلق الوجودي الذي يأتي بحلول ذكري يوم ميلادي، ولم أجد سببًا منطقيًا واحدًا يرضيني رضا كامل، فكل ما ذكرته في الأعلي اساسه أفكار أعتدت عليها، هذا شيئًا معتادًا بالنسبة لي، فلماذا إذن هذه الحالة الغريبة! ولكن بطبيعة الحال عقلي الغريب دائمًا عامر بالأسباب اللامنطقية، او ربما ‏أنا شخص لديه ميل طبيعي للكآبة، شخص تلمع عيونه دائمًا بشكل حزين أو شيئا من هذا القبيل .

ولكني حزينه الأن من اجل الأشياء، الأشخاص، المشاعر والأماكن التي سأخسرها في السنوات القادمة، حزينه لأن الشعور بالخسارة لن يكون له وقع الخسارة الأولي والثانية، لن يكون له تأثير شعوري قوي لانه جاء بعد سلسلة كبيرة من الخسارات، اعتيادك علي الخسارة، الاعتياد الذي يعني مرورك علي الشيء مرات لا تحصى و مروره عليك ألف مرة ومرة ، حتي يأخذ منك كل دهشة وترقب، إلى أن تفقد ملكة الانتباه إليه وإدراك تفاصيله، السيء منها والجميل.
حزينه ﻻني سأترك كل الأشياء -مهما كانت ثمينة- تذهب دون أن أقدم على أي مقاومة للتمسك بها، لقد تمسكت بالكثير والكثير من الأشياء والأشخاص في السابق حتى جرحت أطرافي عندما غادروني، أو حتى عندما تخليت عنهم شيئًا فشيئًا، لم يبقى أي شيء لأني تمسكت به، بل ذهبت الأشياء لانها كانت تريد ذلك بكل بساطة .

ولكننا كلما كبرنا وازددنا وعيًا وننضجًا، كلما أصبحنا أكثر تقنينًا في كل شيء، فالنضج يمنحنا فرصة أن نتوقف عن الإفراط في ردات الفعل، وحتى في العواطف والشعور. 



الثلاثاء، 11 يوليو 2017

صور مشوشة وغامضة



ما الذي يدفعني للكتابة الآن رغم ما أشعر به من أرهاق نفسي وجسدي وعقلي !
هل هو هذا التخاذل المقيت عن الحكي والثرثرة مع الأخرين ،فقدان الرغبة في الحديث من كثرة ما أستخدمنا من كلمات لم تستطيع أن تعبر عنا بدقة ؟ أم هي الرغبة في الأحتفاظ بمتعة مختلفة يمارسها عدد قليل من الناس.
الحقيقة لا اعرف الجواب كعادتي ،فأنا دائمًا ما أطرح الأسئلة بعجز وعبثية ،وربما هذا فقط لكي أجد اليوم مدخﻻً للكتابة .
منذ أكثر من شهر وانا احاول جاهدة الكتابة عن مشاعري خلال تجربة مررت بها، تجربة تذكرني بعنوان رواية لعبده خال أسمها "الموت مر من هنا" ،ولكني بكل ما أوتيت من عجز لم أستطع تحديد مشاعري حتي الآن تجاه التجربة ككل ،لذلك فشلت في المحاولة .

كل هذه المقدمة أعلاه التي لم يكن مخطط لها أطلاقًا في حقيقة الأمر كانت فقط لأقول أن هناك شيئًا عالق في قلبي كالعادة ولا يمكنني قوله او كتابه ،لذلك ستكون هذه محاولة عبثية مهترئة لكتابة أفكار رمزية تحوم حوله ،ربما ستخفف هذه المحاولة من ضغطه علي القلب والخاطر .
يتترد في ذهني الآن بعض الأسئلة ..
ما الذي حدث لأحدهم حتي يكون وحيدًا في مثل هذا الوقت ؟ ما الذي تعنيه الوحدة لكلا منا علي وجه الدقة ؟ ما القصة التي حصرته الحياة بها ليأخذ فيها دور البطولة كفأر عالق في مصيدة لا يستطيع الأفلات منها ؟ ولماذا أشعر أنا بالحزن الآن لمعرفة أن هناك أشخاص في هذا العالم لم يحصلوا علي الحب الكافي حتي ولو بدو لنا سعداء.
احيانا أشعر بأن المواساة رغم أنها تعزز من الشعور بالألم والمصيبة إلا انها امر ضروري حتي لا نشعر بالوحشة ،من الضروري أن يجلس أحدهم بحانب الأخر ليضم يده ويقول له سينتهي كل شئ قريبًا وبعدها كل شئ سيكون علي مايرام ..
خلال الفتره الماضية كانت هناك أيام شعرت فيها بأنحناء روحي كجسد امرآة عجوز ،شعرت فيها بأنحناء روحي وأنا أمشي بأقدام مثقلة أنهاكًا وتعبًا ،أجرهما من السرير الي المطبخ لأتي بزجاجة ماء ،في الليل لا أنتظر نومي فأنا أعرفه رديء الجودة، في الصباح أدخل الي الحمام تبدو لي فكرة الاستلقاء في حوض الاستحمام وسماع الاغاني التي تعزز الشعور بالياس والكأبة فكرة جيدة وتناسب حالتي ،استلقي هكذا لا اعرف في اية وضع اكون ،أشعر ان هناك شئ يخترق جفني، مغمضة العين أتألم، مبصرة أيضاً أتألم لا يريحني الاستلقاء ولا يستقبلني الجلوس، ورغم هذا أتباين بينهما ،اجلس هكذا للتأمل في عتمة الحمام المغلق ، أتأمل الضوء الذي تشكل على الجدران علي هيئة خط رفيع دقيق ،أقول في نفسي هذا قلبي ، هذا المكان المظلم قلبي ، وهذا النور الخافت أعرفه بالضبط ماهو ،أعرف فيمن تجسد ،اعرف انه انت .
لم يعد لدي ذلك الصمود الأنيق في الأونة الأخيرة ،تغير الأمر كثيرًا ،بات كل ما يمر علي بكلمة عارضه وغير مقصودة يخدشني فورًا لتسقط دمعه دون وعي ،يضرب الوجع المتسلط بكل أشكاله مهارتي السابقة في التحمل ، يراودني احساس ضاغط بالضيق وكأن احد شرايني أنفجرت وبينما الدماء تسيل تتسرب الحياة معها ،وانا اقف هناك اشاهدها بكل عجز وبلادة، أشعر بقلبي كشيء ثقيل علي صدري لم اعد اقوي علي حمله ،فأتساءل ما الذي سيحدث حين تتراكم الآلام ولا تعود محتملة، ربما سأموت، أو ربما تفتك بعضها البعض واتخلص منهم جميعا ،اصمت هكذا ثانية لتاتي الفكرة المعتادة في رأسي ،ثم أردد بعدها الجملة المعتادة أيضًا: أود ان احمل مسدس واوجهه لرأسي تحديدا وأطلق رصاصة ثم أقف أضحك على سيلان الوجع مع الدماء  فيخرج ببطئ ولزاجة ،لكنه الآن لا هوية له بدوني، ثم بعدها أعود لوعي فأدرك أن هذه الحياة اللعينة تؤلمنا بتفاهتتها وجديتها في نفس الوقت ،فقد ضحت بالفانتازيا عند أول نوبة غضب ،فأذكر نفسي وأقول ان الميزة الوحيدة للآم احيانًا أنه يجعلك تكبر بطريقة لم تمر يومًا بمخيلتك.

ذات يوم سألتني صديقتي لماذا تاتي التغيرات الجذرية في حياتنا او شخصيتنا دائمًا بعد التجارب القاسية ؟هل تغيرت الحقائق ام انها كانت أوهام ؟ صمت ثوان ثم قلت لها أعتقد ان الحقاق لا تتغير انها تظل ثابته ،ولكن بعد التجارب القاسية تصبح الحقائق أكثر وضوحًا وتظهر عدة جوانب اخري للحقيقة الواحده ،مزيد من الجوانب التي كانت تخفي علينا تظهر جلية لنا ،تزول تلك الأوهام التي صنعناها ربما بانفسنا لتغلفها ،لتبقي الحقائق فقط ماثلة امامنا.

كنت أريد ان اتخذ دور المتفرج في الحياة ، ولكنها لاتزال تقحمني في مواقفها المتصارعه .



الثلاثاء، 23 مايو 2017

اليوم الأخير

لو كان هذا اليوم هو يومي الأخير، سأبقي مستيقظه في سريري ، سأطيل البقاء فيه ، سأتأمل السقف كثيراً، وكأنه السماء مليية بالنجوم ،بها القمر بأبهي وجه ، سأجول بنظري بين الجدران، وكأنني أراها للمرة الأولى ، سأدقق في تفاصيل المكان ،انا اهتم بالتفاصيل الصغيرة ،
سأفتح النافذة في الصباح .. الشمس تبدو على غير العادة باهتة رغم أن الجميع يشعر بأشعتها متوهجة ، سأنظر إلى نفسي في المرآه، أبدو حزينة اليوم ،ربما الحسنة الوحيدة للحزن أنه يضفي بعض الجمال علي الوجة ،ولكن هل سيساعدني الجمال في تمديد وقتي في الحياة ؟ سأحصي عدد الكتب المركونة علي المكتب ،ربما أربعة أول ثلاته .. لقد قرأتها كلها، ما فائدتها الآن ؟ ساحصي عدد الكتب التي قمت بتحميلها علي هاتفي ووضعتها في قائمة القراءات اللاحقه مع بعض الأفلام ،اتري متي سأستأنف قرائتها ؟ سأسقي نباتاتي المصفوفة علي الشرفة. ما الجدوى من وجودها؟

سأسأل نفسي أسئلة وجودية كثيره ، ياتي بها عقلي من كل زمان ومكان ، سأسأل نفسي دون أن ابحث عن إجابة، هل عشت حياتي كما أريد ، أم أنني في كل تلك الفترة تواجدت فقط كضرورة حتميه لوجودي ؟ سأسأل نفسي دون أن يتكبد عقلي عناء التفكير فيما إذا كنت نادمة عن تبديد سنواتي السابقه في الفراغ، سأسأل نفسي دون أن أرغب في معرفة الأجابة كاعادتي إن كان لوجوي فائدة؟

سأذكر نفسي اني كم تمنيت أن أسافر لكثير من المدن والبلدان ، وأني جربت ولو لمرة واحدة أن أتفوق على نفسي وأخوض تجربة جنونية للسفر دون علم عائلتي ، وسأذكرها أن الخوف من عواقب هذا لم يمنعني من الاستمتاع بالتجربة ، سأتذكر كم حلمت أن أستيقظ في المكان الذي أحب مع الإنسان الذي أحب، سأتذكر كم رغبت بشكل قوي وحقيقي ، أكثر من أي شيء آخر أن أصادق أبي وأمي أو أن أفهمهم على أقل تقدير ،لكن ما الفائدة من تحقيق الأحلام الآن؟

سأقرر بأن لا أحجز لأقرب رحلة الي المدينة السياحية الاكثر جمالا هنا في بلدي والتي أود وبشدة قضاء بعض أيام هذا الصيف الحار جدا فيها ،ولا حتي أسافر لبلد الأحلام، سأقرر بأن لا أجرب القفز من فوق السحاب مثلما راودني ذلك في حلم من أحلامي الفانتازيه وبعدها فكرت ان اجرب القفز بالبراشوت لأتحايل علي الواقع في تحقيق هذا الحلم ، وأن لا أتذوق اغرب الأكلات من كل دول العالم أو أن أذهب إلى أدغال إفريقيا أو جزر المالديف أو جسر العشاق أو أزور البندقية أو ان أنام في بيوت الجليد  .لازلت لا أفهم لماذا يختار الناس أن يفعلوا هذه الأمور عندما يسألوا عن أمنيتهم الأخيرة؟ لماذا لا يفعلوها وقد كان هناك متسع في عمرهم ليستمتعوا بها أكثر ؟ هل حصرية لآخر يوم من الحياة؟



لن أعتذر ممن أجلت اعتذاره، لو كان علي ان اعتذر لأحد لكنت أعتذرت لمن أسأت اليهم في نفس اللحظة ، لن أعترف بمشاعري الحقيقة سواء حب او كره لمن أخفيتها عنهم طوال ايامي الماضية ، فهناك منطقة مظلمة داخل كل أنسان لا يراها أحد ،وهذه هي منطقة المشاعر الخفية ، ويجب ان تبقي هكذا ، لن أقول أحبك إلا لمن اعتدت أن أقولها له، ولو بغضت احد لاني لم اعتاد الكره ،لن افصح عن بغضي هذا طالما امتنعت في الماضي عن هذا الفعل، لن أخبر الجميع بأني سامحتهم، ولن أطلب السماح من أحد. لقد كان لدي الكثير من الوقت لأقول كل هذا واعتقد اني فعلته بما يكفي في هذه الحياة ، ولم يعد لهذا فائدة الآن، أنا لا أحب فكرة اللعب في الوقت بدل الضائع، لا أحب الوقت بدل الضائع من الأساس.

سأقبل أمـي وأخوتي ، تماماً كما أفعل دائما ، سأنظر إلى أبي، دون أن أقول شيئاً عندما أكون غاضبة ، وسينظر إلي دون أن يقول شيئاً، تماماً كما يفعل. سأطعم قطتي وأمسح علي رأسها وأداعبها قليلا ، ثم أعود لغرفتي وأغلق الباب تماماً كما أفعل كل ليلة ، سأرتب ملابس وأغراضي واوراقي رغم اني كأئن فوضوي وأفضل رمي الأشياء هنا وهناك ،ولكني أجبرت أن أكون منظمة ،سأضع كل شيء في مكانه تماماً كما تفعل أمي والان لا أريد أن أخلف ورائي أي فوضي ،لا أريد أن أخلف ورائي أي شئ اصلاً ، ربما سأحرق كل أشيائي، ما الفائدة من التخليد ، شغف الإنسان للتخليد لا يفهم ، كان دائماً موضع سؤال بالنسبة لي ،ما جدوي أن يبقي ذكرك أو أسمك أو أشيائك وانت لست هنا ؟!

سأتمنى لو تمهلني الحياة دقائق ، تهبني وقت أضافي أكون فيه بالقرب ممن أحب، أراقبه وهو نائم في صمت ، أمسح وجهه وأقبله في جبينه أو بين عينيه، سأتمنى لو كان بأمكاني أن أكتب له رسالة، من كلمة واحد ققط “آسفة”.
 آسفة لأني الأن اتركك وحيداً ، آسفة لأنك الأن تتكرني وحيدة، آسفة لأنك ستعيش وتحب من جديد.

 سأبكي كثيراً، أو قليلا ، ربما دمعة واحدة .. لا أعلم ما الذي سيريحني  ربما لن أبكي أبداً ، سأشعر بالخوف .. الخوف الذي لن يزول، الخوف الذي عاهدته دائماً، لن أستطيع أن ابتسم حتي لزاوية صغيرة من شفتاي ،لا يمكن أن أستقبل الموت وأنا سعيدة، سأغمض عيني، وأنتظر متمنية أن لا يقل شعور الموت عن لذة شعور النـوم .

الاثنين، 22 مايو 2017

صوت الصمت

هذا ما افعله عادةً، اكتب كل مايخلب الروح من آلام ، مايشفى منها وما لايشفى.

ولكني منذ عدة أيام أردت أن أكتب عن شئ ما عالق بداخلي ،فكتبت بضعة أسطر قليلة في الأيام الفائتة مخافة ان تهرب مني الكلمات، فحين يكون الوقت والمزاج مهيئان تماماً للكتابة أكتب حتي لو جملة واحدة ،ولكني هذه الأيام وحيث كان يحتشد في صدري الكثير من المشاعر والكلمات ،فظننت خاطئة أن الكلمات ستنساب بساطة على الورق كما اعتدت أن أفعل حين تحيط بي هالة شعورية ضخمة، ولكن وبينما كانت الكلمات تتسابق وتتصارع أيها سيكتب أولا وأيهما ستمحي ابداً وجدت أن يدي لا تسير بالسرعة نفسها التي تهدر بها الكلمات في مخيلتي وذاكرتي ،فأدركت أن هذه الأفكار لن تجلس بسهولة على الورق.

كان الأمر سئ ومزعج  بالنسبة لي، طريقة وصف رديئة ، جمل ليس بينها ترابط ،فقرات لا علاقة بين الواحدة والأخرى.

حاولت أن اصلح الأمر كما كنت أفعل دائما حين أريد نمط معين أكسي به النص او ثيم موحد لكل الحكايات ، فعندما افقد الترابط أعود لقراءة ما كتبت من البداية حتى المكان الذي تعثرت به في الكتابة ،فأجد جملة مضيئة في عقلي ،تجعل الموضوع اكثر انسجاماً فتعود انسيابية النص من جديد ،ولكن يبدو ان هذه الحيلة لم تنجح أيضاً.

في هذه الساعة شعرت بالعجز والهزيمة ، فحقدت على نفسي بشكل غير مسبوق ، لأنني مسؤلة عن هذا .. كيف انني عاجزه عن وصف غضبي ؟ كيف تهت في أفكاري ومشاعري ؟
مساء أمس بعد أن أستيقظت من نوم خفيف مليئ بالكوابيس واستعصي علي العودة الي النوم مجدداً ،وهذا ما يحدث معي دائما ولكن في الأيام الاخيره تطور الأمر معي ،حيث عاد صديقي الأرق مره أخري ، هذا الصديق الحقير معه تشعر انك تتبادل الأبتسامات انت والموت .. حاله لا متناهيه من السقوط الحاد، ماركيز أختار له أسم قوي في "مائة عام من العزله " اسماه (طاعون القلق)
بينما كنت بالأمس ممدده علي سريري مبلله بالخلط بين التفكير والنوم ،تناهي الي صوت الصمت جملة صغيرة في عقلي ، توحي بأن الثيم الموحد والمفتاح المناسب لكي اكتب هو الصمت .
الصمت الذي غالبا ما يسئ فهمه الأخرون ،غالبا مايفسروه علي انه كبرياء ، او سفه أو ما شابه ، ولكني أصمت عندما يصل شعوري مداه ،عندما يصل الأحساس بي الي أعمق نقطة في قلبي ،فأعجز عن أيجاد كلمات تعبر عني.
وقفت صامته أمام الليل أتأمله ، اتخيل زوايا المشفي وافكر ، أتري ماذا ينتظرني هناك ؟
أشعر بالخوف هكذا ببساطة بدون استعارات شعرية او تعقيدات ،خائفه كقطعة ثلج تهرب من أشعه الشمس هنا وهناك .

الثلاثاء، 9 مايو 2017

رسائل بين فتاتين حالمتين (الرسالة الثانية )


في عصر التكنولوجيا السريعة والبريد الالكترونى وتحت هذه التدوينة، سأنشر أنا وصديقتي سميحة الصواف رسائل ورقية متبادلة بيننا ،محاولين أن نطل برؤسنا خارج الصندوق ،رسائل سوف نتبادل فيها الحب والأغاني والأفكار والرأي ووجهات النظر المختلفة، لتنمو بيننا ذاكرة مشتركة لا يمكن أن يمحيها الزمن ،وكوسيلة لتحسين الوضع السيئ والمشاعر المرهقة والبحث عن لحظات قليلة للسعادة والجنون ،عبر هذا الواقع الإفتراضي لهذا 
العالم التعيس .

عزيزتي الرائعة
                  سميحة
لست بصدد أن أكتب شيئاً مبهراً ، ولكني أتمني أن تترك أولي رسائلي لديك شعور بالألفة والصدق ،ولقد ساعدتني فكرتك علي ذلك كثيراً ، فكتابة لرسائل تجعل المرء يعيش حالة خاصة من المشاعر وعلاقة مميزة مع الورقة والقلم ،فتتبح بذلك فرصة أكبر للتعبير الوجداني ،ربما تبدو هذه للبعض فكرة جنونية ولكني أراها بنفس القدر كلاسيكية ، وهذا يتناسب تماماً مع شخصيتك المبهجة والمحبة للحياة رغم وجهها القبيح.
وما أثار حماسي ايضاً لفكرتك هو " التمرد"  ،
التمرد علي هذا الجمود العاطفي الذي سجنتنا فيه وسائل التواصل الحديثة ،
التمرد علي الزيف والأستعراض والتصنع والرغبة في الظهور ،
التمرد علي كل هذه الكلمات التي رصفناها كنمال مجندة  علي أوراق إلكترونية لا حصر لها ،ثم أرسلناها ففقدت معناها عبر أفتراضية هذا العالم البائس.
سأكمل حديثي عن هذا الموضوع معك لاحقاً ، أو ربما في تدوينه مخصصه له .
ولكني الآن أود أن أخبرك أن رسالتك غمرتني بالبهجة والسعادة ،لذلك لا تهتمي كثيراً ولا ترهقي نفسك في البحث عن الاقلام والأوراق الأكثر جمالاً ،فرسائلك تعني لي الكثير حتي لو كتبت علي أوراق مناديل أو بأحمر الشفاه خاصتك.
أما بخصوص ما ذكرته عن علاقتك المتوترة مع القلم الحبر وتفضيلك للقلم الرصاص عنه ،أعتقد انني أستطيع أن أتفهم هذا وربما هذا يرجع لعلاقتنا جميعاً المتوترة مع ماضينا ،بما يحمله من أراء وأفكار وقرارات دافعنا عنها بالسيف قبل القلم في وقت سابق ،وأستطعنا أن نلمس تأثيرها علينا بعد حين ،متمنين لو أنها  كانت كتبت بقلم رصاص إذ أننا يمكنا بخطوة واحدة محوها جميعاً ،دون أن يخلف ذلك فينا ندوباً لا تزول .
وعلي ذكر الماضي سأخبرك بشئ تذكرته الآن وهو حقا يدعوا للضحك والسخرية ...
في الماضي كنت أتصور .. لا بل أؤمن أنني لست أكثر ولا أقل نفعا من صخره ،حبة رمل ،وردة أو عصفور ،اما الآن فأنا لدي قناعة - مؤقته - أنني أقل نفعا منهم بكثير ،ولكني مثلهم جزء من تناغم هذا العالم .
وربما بعد ساعة من الأن سألقي بكل هذه التصورات والقناعات بكل قوة في أول سلة مهملات تصادفني ، أترين - أستطيع أن أراكي تضحكين علي هذه التصورات ،ولكن ماذا يساعنا أن نقول غير أنها تصورات فتاة حمقاء.
ربما ستتحسن علاقتك بالقلم الحبر اللعين هذا عندما نتوقف جميعا عن القلق بشأن ما مضي وما هو أت ،عندما نستطتيع أن نتصالح مع فكرة أننا كبشر يمكننا أن نمتلك أفكار اليوم ثم نحيد عنها في اليوم الذي يليه ،وانه لابأس من أعادة النظر في بعض الأمور بين الحين والأخر دون التذمر من عواقب هذا ،
وأن ما مررنا به هو ما هيئ لنا أن نكون نحن الآن ،ولو كان هذا هو ثمن شعورنا بالحياة فهو ثمن سندفعه بكل رضا .
نعم صحيح أنا لا أملك تدابير حكيمة ولا نصائح نيره بشأن هذا القلق المضطرم في تجويفنا الصدري ،ولكني لدي يقين لا يساوره شك بأنك رائعة ومكتمله ، بكل هذه الأشياء التي تركها العالم والبشر بداخلك ، مره بعد مره وتجربة بعد الأخري ،هفواتك ، اختياراتك ،أخطاءك ،تجاربك ، نجاحاتك وحتي الأعين الكاذبه والمدعية من حولك .
أخيراً. ماذا أخبرك عني ،يكفي ما ثرثرت به طوال هذه الرسالة ،سأختصر حالتي هذه الفترة بجملة واحدة ..
أشعر أني أنطفئ في حين أن كل ما حولي يبالغ بالتوهج .

                                  سامحيني علي الخط السئ
                                        صديقتك الوفية
                                                  ريم

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

رسائل بين فتاتين حالمتين (الرسالة الاولي )


في عصر التكنولوجيا السريعة والبريد الالكترونى وتحت هذه التدوينة، سأنشر أنا وصديقتي سميحة الصواف رسائل ورقية متبادلة بيننا ،محاولين أن نطل برؤسنا خارج الصندوق ،رسائل سوف نتبادل فيها الحب والأغاني والأفكار والرأي ووجهات النظر المختلفة، لتنمو بيننا ذاكرة مشتركة لا يمكن أن يمحيها الزمن ،وكوسيلة لتحسين الوضع السيئ والمشاعر المرهقة والبحث عن لحظات قليلة للسعادة والجنون ،عبر هذا الواقع الإفتراضي لهذا 
العالم التعيس .

عزيزتي ريم                                                  
            لقد كنت متشوقه جداً لأخط لك أولي رسائلي ،وحاولت بكل جهد أن أجعلها بتميز مشاعري نحو التجربه ككل ولكن كالعالدة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ! لقد بحثت طويلا علي ورق مناسب للجوابات ،فلوسكاب لكن مميز قليلاً ،أصفر اللون برسومات رقيقة علي الحواف ربما تشجعني علي الاستطراد بالحديث وتشجعك لتكمله القراءه ،لكن بعد بحث طويل في السوق المجاور لمحيط سكني لم أجده علي الأطلاق رغم كوني أقسم إني رأيته بالسابق لكن لا ضير !
كان علي أن أنتهز فرصة تدفق الكلام بعقلي الواعي حيث تجاوز عقلي الباطن الذي يؤنسني بساعات نومي بتشكيلة كوابيسية المنمقة .
هكذا مزقت ثلاث ورقات في طريقي لخط كلماتي  تلك في رحلة محاولتي أن أكون منمقه وأخطها بالحبر وليس بالرصاص ،لكن كالعادة لم يسعفني ولم أشعر بأي أرتياح وأنا أستعمله ! صدقاً لا أعلم لما أشعر بالأحباط جهة القلم الحبر دوماً ،لا أشعر بالأنس نحوه علي عكس القلم الرصاص .
ربما لكم الإختيارات اللائي يتيحها القلم الرصاص ،من العودة بقرار ما كتبته فيكون من السهل أن أمحيه دون خسائر فادحه .. علي سبيل الصدفه فهذه الجملة "دون خسائر فادحه" كانت عنوان لأول كتاب شعر أصدرته صديقتي وقد حضرت حفلة توقيعه ،وكان هذا منذ أربع سنوات وربما أكثر ،كان حينها جيداً من وجهة نظري ،بينما حاولت منذ أقل من سنه إعادة النظر بأمره فوجدته عبارة عن حثالة أفكار ،اللعنه علي نضجنا الذي يحيل كل جميل بالسابق إلي مجرد حثاله...
الجانب المشرق الوحيد بهذا كوني ربما يوماً ما سأعيد النظر في تفضيلي للقلم الرصاص عن الحبر وسأتذكر كم كنت واثقه من مشاعري تجاهه وكم أصبح هذا غير منطقي علي الأطلاق .
نهاية، أعدك بكوني سأبذل مجهود أكبر لأجد ما أصبو إليه من مواصفات للورق الذي سأخط عليه كلماتي القادمه إليك.
وبكل تأكيد سأعيد النظر في أمر القلم الرصاص هذا...
 .
                                         صديقتك الوفية
                                           سميحة الصواف ..

الجمعة، 14 أبريل 2017

بلا عنوان


كل ليلة أنام وفي داخلي رسالة لم تكتب ، كل ليلة أتحدث الي الأشخاص المقربين في هذه الرسالة ،احكي  في بداية حديثي عن الأشياء الجميلة ،دائمآ ما ابدأ بالجماليات كي أبدو صلبة ومبهجة ،كي ابدو وكأنني لم اخسر شيئاً، لكنها تبقي رسالة معلقة .
نقص وزني بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة ،لقد تحدثت مع طبيبي عن الأسباب وهذا لا يثير قلقي ،ولكن صوتي ، صوتي مهزوم وهذا أكثر مايقلقني ،الجميع يعرف صوتي جيداً يعرف انه أصدق مفتاح لروحي ، انعدمت من نبراته البهجة ،الأن يعلوه الصدأ وتسكنه الهشاشة، لا أكاد اكمل جملة الا وقد لمحت في أعينهم ذلك الأسى.
الجميع يلحظون هذا ولكنهم يحاولون تجاهل الأمر ويدعون عدم رؤيته ،تماماً كما ينبغي عدم الحديث عن رابطة شعر جميلة أمام فتاة صلعاء ومريضة .

أتذكر منذ سنوات عندما كنت في المرحلة الثانوية أثناء قراءة درجات اختبار منتصف العام ،حصلت على 19 من 25  , لم يجعلني ذلك حزينه ولم يجعلني سعيدة بالمقابل ، الا انه عندما جاء صوت أستاذة الفلسفة معاتبًا  لي ” ليه ؟ ، لماذا يستمر مستواكي بالأنخفاض ” انفجرت بالبكاء .
أدركت في هذه اللحظة المعني الحقيقي لفكرة العتاب وكيف يمكن أن تقتلني كلمة عتاب واحده وغير مقصودة تقتلني دون رحمة ،ضاربة بالحزن اعماقي ايًا كان سببها.

عندما قرأت رواية "المسخ" لكافكا وهي رواية يتحول بطلها
" جريجور سامسا " الي حشرة بشعة وضخمة تثير أشمئزاز جميع من حوله ، لم يدهشني هذا التحول البعيد عن الواقع
 " أنسان يتحول الي حشرة" ولا كيفية تعامل عائلته معه بطريقة مليئة بالقرف والأشمئزاز وتنكرهم له وتمنيهم الموت لهذا الكائن المنبوذ الذي بات غريب عنهم ، ولكن ما أدهشني حقًا هو مدي تقبل جريجور لنفسه ، لم يشعر بالأمتعاض والأستياء كونه أصبح حشره ،ان تعتاد كونك أصبحت سيئ وبشع حتي أنك حشرة .
قل أني سيئة منذ البداية لكن لا تقل اني ” أصبحت “ سيئة ، لاتسمح للزمن بأن يحقق وجوده فينا ، لا تسمح لهذا اللعين ان يغيرني، أن يغير جوهر الأشياء بداخلي، أن يصبغ بمصائبه صوتي بالأسي والحزن ،أنا احاول ان أتجنب حدوث ذلك، احاول أن أنسى أنني أكبر وأتغير.
في الايام الأخيرة حاولت ان أتجنب العزلة والأكتئاب، قرأت ،أنفعلت ،صرخت ، وقفت أمام المرآة في محاولة قوية لرؤية الجانب الذي يشبهك في ، كنت أمسك بهاتفي ،أشعر بالمهزلة أحيانًا والأبتذال كيف أنك تسكن شاشة بحجم يدي ؟! في لحظة ألعن الظروف والحظ السئ ولحظة بعدها أتراجع عن شتم المسافة التي تحول بيننا لأن هذا عملها ، عملها أن تكون مسافة تفصل بيننا وبيني ما نريد ،هي تمامًا مثلها مثل عملي أنا وأنت أن نتحرك لنمسك بإيدي بعضنا في مكانٍ ما أكثر واقعية من الهاتف ومواقع التواصل ،وقد حاولت أكثر من مرة أن لا أصخم من أهمية هذا التعقيد الالكتروني السخيف الذي ربطتننا به العاطفة والظروف ليجمع قصص وحكايات كثيرة تحت مسميات أكثر ،ولكن ماكان يشفع لهذا التعقيد والسطحية في الوقت نفسه هو أنني كنت أشعر بالهدوء والألفة حين أقرأ محادثاتنا القديمة ، الهدوء الذي يتحول الى دفء حالما تتواجد ،وتسأل ،وتكتب ..
وبعد أن أغلق الهاتف أشعر بالسطحية والطفولية نوعا ما ,ولكن يؤلمني أنك تمر مع الجميع أمام هذا الظمأ دون أن تمد يدك لي كأسًا ، يؤلمني أن صوتك سيسحق المسافة لو انك ظللت تحدثني ، ولكنك لم تفعل ، هل تؤمن بمثل هذه الأمور ؟ هل تؤمن بأني الأن بعد منتصف الليل وانا افكر فيك أثر موجة هواء ربيعيه باردة وسماء معتمة ليس بها نجوم أو قمر ، أود وبشدة ان تختلس الحياة لي نظرة اليك ، هكذا دون ان نلتقي ، أريد التأكد منك ، اود أن المس حقيقة وجودك معي على نفس الكوكب وتطلعك الى نفس السماء. هل تؤمن بمثل هذه الأمور التي يمكنك وبكل أريحية أعتبارها تافهه ؟
ترا ما الذي أجنيه أنا من زرع الشكوك والتساؤلات؟
ما الفائدة التي ستعود علي من تهييج المشاعر؟
ومن أكون انا حتي أختبر العالم ؟ أم أني أختبر نفسي ؟ ولماذا أتحدث بهذه الثقة وكأن العالم أو شخص واحد علي هذه الأرض يولوني الأهتمام ؟ لماذا أتحدث وكأنني شخص معروف؟
حسنا .. أنني مرهقة الآن ، غدًا سأفكر في طريقة أقل خطورة للعقل ومهانة للروح وأكثر راحة للقلب والبال لإيصالك هذه المشاعر المعقدة  .
أن كنت تقرأ هذا الآن فلا تغضب ،ولا تقل بأني بالغة الحساسية ﻻن هذا يثير أحتقاري لنفسي .
ولكن كل ما توقعت حدوثه حدث بطريقة عكسيه بقدر توقعي ، في كل مرة ابذل جهدي لتوقع هدوء قادم تأتي عاصفة جديد لتنسف معها كل التوقعات، أخيراً توقعت أمراً بسيطاً، بسيطاً جداً بحيث كان يمكن للحياة كان أن تسايرني فيه ،ولكن لا تكف الحياة عن هدم كل التوقعات وأعادتنا الي أرض الواقع، كل ما أريده الأن هو أن تبرر لي الحياة مايحدث ، هل كان من الضروري أن أعيش هذه التعاسة مبكراً ؟ لا اعرف .
 الليل عند المنتصف ، الألات الموسيقي تنشد عزفها العذب بأذني والافكار تبث في رأسي من مكان الى أخر ، وصوتك يعود مرة أخري بنفس النبرة القوية التي غرزت انيابها في قلبي منذ اللحظة الأولي لسماعه.


الأربعاء، 22 فبراير 2017

تصرف بطريقة لائقة

ما يبدو لك بغاية القوة , يمكنه أن يتهاوى من أبسط الكلمات مثل ( ماذا بك ؟ - أحتاجك - أشتقت لك - انت بخير ؟)
ولكن الحياة تجبرنا علي التصرف حسب ما يحتاجه الموقف ،فتظهر وجوه ليست وجوهنا، ونصف الابتسامات تكون مزيفة .

- يجب أن تبتسم , أن لا تبكي , أن تتماسك
الجميع ينظر إليك، هل أنت مراهق ؟هل أنت طفل ؟

- يجب أن يكون لديك أهداف وطموحات , هل أنت تافه ؟
أنت إنسان عاقل ناضج , لماذا تحتاج لمساعدة أحدهم ؟
- مرت علينا لحظات أردنا قول أننا تعبنا ،ولكن كانت نظرات الجميع من حولك حادة توحي بأنها تنتظر منك أداء علي نحو أفضل،
لو تجتهد قليلا فقط ،
واصل ،واصل حتي لو انكسر بداخلك شئ لن تتمكن من جبره، نعم هكذا ،تصرف بطريقة لائقه وحسب ما يحتاجه الموقف .

- قاسينا تلك اللحظات التي كنا فيها بحاجة إلي ذلك الشخص الذي ربما يمكنه إنقاذ الموقف ,أعني هذا الشخص الذي تذهب مسرعًا لتخبره عن شيء بداخلك لا تستطيع شرحه لأحد غيره، هذا الذي لا تتردد في أن تتمسك بيده عندما تشعر أنك علي حافة الهاوية، أقصد ذلك الشخص الذي يمكنك أن تقول له أنك خائف، هكذا ببساطة، ودون أن تخجل ،وحده سيعرف كيف يجعلك مطمئن بوجوده بجانبك, ولكنه الكبرياء اللعين ،الكبرياء منعنا من الذهاب إليه وقول "هذه الأيام ترفض أن تمر على روحي بدونك، أنا أحتاجك"، فتذهب لتنام ،تأوي إلي فراشك بعيون مثقلة بالدموع،
-لماذا تحتاج لمساعدة أحد ؟ أنت إنسان عاقل ناضج ،نعم هكذا ،تصرف بطريقة لائقة وحسب ما يحتاجه الموقف ،كما يجب أن يكون الموقف.

إن ما منحتنا إياه الحياة بمواقفها بخيباتها بألامها ،ليس القوة بل الضعف , الضعف والكبرياء، اللعنة عليهما.

الجمعة، 10 فبراير 2017

جرعة مركزة من الإكتئاب


هل تعرف الفرق بين أن يكون وجودك في الحياة ترفًا  أو ضرورة فقط ؟
أعتقد أغلبنا لا يعرف الفرق ..
ولكن ‏لم يحدث لأحد منا يومًا أن تملكته رغبة قوية في الوجود، كنا نحاول فقط أن نتماشي مع حدث وجودنا في الحياة، ،فنتحامل علي انفسنا، ثم نتحامل، ‏لدينا دائمًا رغبة عارمه في الرحيل دون وجهة محددة، دون أن نعرف الطريق بدايته ومنتها، رغبة قوية في الهروب دون نحو أو مدى، رغبة في أن نبدء مشوار قد لا يصل ابدا .
وهل هناك وجهات محددة يذهب إليها من لا يدري من أين تكون البداية وكيف تكون ؟
‏تنغرس مثل هذه الأسئلة في رأسي كالمسامير، فهنا في هذا المكان لن تجد اجابات، لم تتحقق أحلام ،كم لانهائي من الأحلام تحطم علي عتبات هذا المكان بفعل هؤلاء الحمقي، حتي الحياة العادية تبدو مهمة مستحيلة هنا.
نحن الجيل البذيء ،جيل عندما يستمع الي الأخبار السياسية يجمع كل ما في فمه من بصاق حتي إذ ما رأي وجه مسؤل حقير مازال منذ ثلاثون عامًا يظهر متبجحًا علي الشاشات ليكرر وعوده بالتقدم والرخاء ويتشدق بكلماته عن مدي الحرية والديمقراطية في عهده ،يدفع كل بصاقه في وجهه مرة واحدة . جيل أصبحت أقصي طموحاته مؤخرًا كيف يذهب كلا ًمنا في المساء الى غرفته وهو لم يخسر شيئًا كبيرًامن نفسه، نتقاسم الحزن والأحلام والكأبة ومخاوف المستقبل ،
حتي أنه لا أحد مؤخرًا يستطيع أن يستمع إليك تشكو مأساتك دون أن يرغب في عرض نصيبه الأكبر من المأساة أمامك ،باعتبار أننا نواسي بعضنا البعض ونتشارك مصائب الحياة ،ولكنه رغمًا عنه لا يمكنه أنقاذك، أنت هنا متروك تواجه مشاعرك وأفكارك وقلقك كلا ًمنا وحيد بداخل هذه الأقفاص التي تقع في أحشاء عقلك وروحك. كل الطرقات التي مشيناها لم تحسب ،وكل المسافات التي قطعناها همشت ،حتي أصبحنا لا نعلم كيف نتقدم ،وكأن الزمن تجاوزنا وتركنا هنا وحدنا نصارع مأزق الركود.
توهمنا الحياة دائمًا بأننا أقوياء ،حتي أقوي منها ولكنا تنتظر الوقت المناسب لكي تكشف لك الحقيقة ،كم هي الأمور هشة وغير قادرة علي الصمود ،فندرك أننا مخدوعون وضعفاء ،ولكني علي قناعة تامة بأن الأشخاص
الذين يواجهون الصراعات النفسية والتفكير والقلق وكل ما يشق عليهم الأنفس، اقوياء ،وافضل بكثير من الذين لا يعانون شيئًا في هذه الحياة رغم بشاعة المشهد ووحشيتة وكأنهم جثث خرساء.

لقد لاحظت بأن الأوقات التي أحصل فيها على بعض المتعة والفرح قصيرة جداً سرعان ماتنتهي ثم أعود لهذه الحالة الكئيبة والعبثية ،حالة من الا جدوي ،وكأنني أصعد الي قمة أعلي جبل لأنحدر سريعاً الي قاع بئرًا عميق،
هذا من سوء حظي وحظ من يعلق معي،
أشعر أني لا أجيد من العادات الجيد منها والسيئ سوى هواجس القلق والتفكير والإكتئاب ،ولكن ‏هذا ليس اكتئاب تغير الفصول أو اكتئاب ما قبل الدورة الشهرية أو اكتئاب ما بعد الفشل، هذا شيء متكرر أسمه شعور عالق إلى الأبد. كل الأشياء والأحداث والتفاصيل من حولي ترهقني ولا يرهق وجودي أي شيء، أنا لا أساهم في هذا العالم بشئ إلا بما يتسبب به دخان سجائري من تلوث للبيئة .نعم ، أنا أسخر من مهزلة وجودي.
أعرف أنني شخصية سلبية ،وربما هذا يناسبني أو يحلو لي ولكني أحاول أن أتجنب اليأس بقدر المستطاع ،لا أريد الأستسلام .
أعرف ان لدي أسباب للسعادة وأن الأستمرار والتفاؤل أشياء مهمة، لكني لا أنتظر المستقبل بكثير من التفاؤل لأني أعرف أذا أبتسمت لي الحياة ذات يوم لابد أن تكشر عن أنيابها في اليوم الذي يليه.
أعرف أن حظي ربما يحالفني مرة ، لكنه يصارعني مليون مرة.
لقد حدث خطأ كوني كبير عندما رمينا علي هذه البقعة ،ما كان علينا أن نكون هنا ،يجب أن أعترف بأن عقلي المشوش أكثر هشاشة من ان يواصل العيش.

الجمعة، 6 يناير 2017

عقل لا يهدأ

هذا الشئ الذي يركض ملايين الأميال في كل أتجاه من رأسي ولا يخرج يغضبني ،يغضبني أستمتاعه بالركض هكذا في كل الأتجاهات متجاهلاً كل هذا الألم الذي يسببه لي ،يغضبني أفلاته من بين يداي في كل مره حاولت الإمساك به .
‏كم تبدو المسافة هائلة وضخمة بين مايشعر به الإنسان وبين مايستطيع شرحه للآخرين ،كنت أحاول أن أشرح لشخص قريب مني أن هناك شيئاً ما لا يكف عن التقافز هنا وهناك في كل خلية من رأسي، شيئاً يجعلني أشعر بالدخان يتصاعد منها وكأنها فواهة بركان شارفت علي الأنفجار ، أشعر أن هناك أنفجار مروع سيقع .. وبالتأكيد هذا سيحدث في يوماً ما ، ربما اليوم ،ربما غداً ،ربما العام القادم ، ربما في هذه اللحظة ، لا أعرف ، ولكن ما أعرفه جيداً أن بعدها ستتوقف معرفتي للأبد ، سيرتاح هذا العقل البائس من كثرة الأفكار التي أستهلكته .

الكثير من الألم النفسي مصدره العقل ، هذا الذي يعمل بشكل مفرط طوال الوقت ، يأخذ أتفه الأمور بجدية مبالغ فيها ،يسمح لكل تركيزه أن ينصب علي تفاصيل صغيرة ويضعها تحت المجهر ويضخم من شأنها ويحللها ويبحث في خباياها ويبالغ من سوءها أكثر من الازم ، ثم ماذا ؟ ثم يتحول المشهد إلي دراما سوداء للغاية ،يتحول العالم في عينيك إلى كومة كبيرة من الأخطاء ،وسط كل هذا الضجيج لا تستطيع عينيك أن تلمح شيئاً ولو صغير يحضك علي الأبتهاج أو التفاؤل .
عندما يريد عقلك أقناعك بشيئاً ما أو فكرة معينة ضد مشاعرك ،حين يدور هذا الجدل بين العقل والقلب ،هذا الجدل الممقوت المتعارض مع يقين قلوبنا المتوافق مع معطيات عقولنا.
وهكذا ،يستمر هذا الألم ليأخذ مساحة أكبر من روحك .
أتسأل دائماً ،لماذا ؟ أنا مجرد فتاة عادية ، في بلد متخلف ، علي كوكب متهالك أنسانياً ، في كون زائل ، فتاة بلا أدني نفوذ أو سلطة او حتي مكانة أجتماعية مميزة ،فتاة عاشت وتربت داخل سياق أجتماعي بليد ومضطرب وهمجي . أتسأل لما كل هذا الألم المتراكم داخل نفسي ؟!
كيف للنفس البشرية أن تتحمل كل هذا الصراع ؟
كيف تتلبسني هذه الأفكار ؟
وكيف أتخلص من رواسبها داخل عقلي ؟
كيف يمكنني أن أتصالح مع أفكاري تلك التي أدرك فداحتها وحتمية ما ستأتيه بدمار شامل علي عقلي ؟ دمار سيصل بي الي الجنون.
"الجنون" المجد لهذه التهمة العظيمة ،كل الذين أتهموا بالجنون غيرو مجري العالم ،ماذا قدم الأشخاص العقلاء للعالم سوي أنهم كانوا أداة للحفاظ علي الجنس البشري لفترة أطول .

ولكني لم أختار هذا ، لم أختار أن أكون علي هذا القدر من الخراب ، جميعنا لم نختار ،كل جيلي لم يختار ، ولدنا كبارًا، حملنا من إضطراب النفس أكثر مما يحمل من هم في أعمارنا ، ولكن ما عسانا أن نقول .. لا بأس ، ستتحسن الأمور .
حسناً . عودة إلي الإضطراب العقلي الذي أشعر به ..
قد يكون من الصحة الأعتراف الأن أني أعاني من الأفراط في التفكير ،أفراط يصل الي حد التطرف ،وهذا بمثابة أنتحار أجتماعي يجعلني دون شك أكف عن الأستمتاع بالحياة، كنت في الماضي اعتدت مواساة نفسي بالقول بأن عقلي مصاب بفرط حركي كمحاولة مني لأثبات وجودي علي قيد الحياة ، علي طريقة ديكارت "أنا أفكر، إذاً أنا موجود" ،ولكني أدركت مؤخراً أن هذا مرض ، مرض هادم لملذات الحياة ، كما أدرك أيضاً أن هذا ينقل صورة أخري لقلب محموم ،ولكني أجد صعوبة في شرح هذا وتفسيره ،فالكثير مما ندركه غير قابل للتعبير عنه ، بل ويستحيل الحديث به.

دائماً ما كانت تراودني فكرة الذهاب الي طبيب نفسي ، ولكني كنت علي قناعة بأن الطب النفسي رغم أنها مهنة صعبة للغاية ولكن لا فائدة منها علي الأطلاق ، فالكثير من الناس يخرجون من عيادات الطب النفسي إما للإنتحار أو للهرب والعزلة .
لذلك في الوقت الراهن لا أملك سوي بعض الحيل  للتغلب علي هذا ، جربت ذلك في أيام سابقة ويبدو لي أن هذه الطريقة تجدي نفعاً ولو قليلاً ، ربما هكذا أجد حلاً ولو مؤقتاً لكل هذه الضوضاء العاصفة بهذا العقل ،ربما مع الوقت يتعلم عقلي التجاهل أو يحاول مجارة الأمور ، في كل مرة سأشعر فيها بالفراغ يتمدد داخل روحي ،أو هذا الشئ يقفز هنا وهناك داخل أزقة رأسي ، سوف أذهب سريعاً وأفتش داخل كل كتاب عن غضب أو شغف يختبئ في جوف شخصية روائية ، أفتش داخل كل مقطوعة موسيقية عن أحساس قابل للأستعارة ، عن ألم نابع من وتر ما .
 ربما أشفي وربما لا ، لا يهم .